الرؤية والتشريع!
فيصل الخريجي
تدفقت الأفكار الملهمة، والمبادرات الإيجابية، والقرارات الداعمة للنهوض والتقدم الحضاري؛ بسبب زخم رؤية 2030 التي شكلت كثافة تشريعية غير مسبوقة. ولأن التشريع انعكاس للواقع السياسي والديني، ولمجموع الأعراف المجتمعية والتجارية والمهنية؛ محاط بالقواعد والمبادئ العامة للقانون الضامنة لقيم العدالة الأساسية، ويجب أن يعكس التشريع الحد الأدنى من تلك العناصر التي تشكله، وأن يستقي عناصره من القطاع العام ذي العلاقة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة؛ للوصول إلى تشريع متزن يحقق جودة الصالح العام بالمواءمة بين تلك العناصر قدر الإمكان، وهو الدور المناط بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، والذي قامت به بصورة حيوية وإيجابية لعقود طويلة، ولكنها مؤخرا بدأت تميل إلى ترجيح طرح القطاع العام بصورة شبه دائمة،
وإغفال طرح القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، مما أثر على جودة الحوكمة العامة، وأضعف جودة التشريعات، وخلق بُنى قانونية متناقضة، وغير قادرة على تحقيق الصالح العام بالجودة المرجوة، ومن أمثلة تلك التشريعات تنظيم المركز السعودي للتحكيم التجاري والذي يفترض أن يكون دعامة للتحكيم في المملكة العربية السعودية ومحفزا لاستقلاليته ومعززا لجودته وجاذبا للمستثمرين الأجانب، ولكن للأسف هذا التنظيم خلق حالة تعارض سلبية طاردة للاستثمارات الأجنبية، وذلك بالنص صراحة أن هذا المركز تحت مظلة مجلس الغرف السعودية للتأكيد على حياديته وعدم هيمنة القطاع العام عليه، وفي ذات السياق نص على أن تعيين مجلس إدارة المركز يكون من قبل مجلس الوزراء الموقر، مما فاقم مخاوف المستثمر الأجنبي الذي لن يقبل أن يدخل في قضية تحكيم مع شركات تملكها الدولة أو إحدى وزارات الدولة في مركز تحكيم مجلس إدارته معين من الحكومة التي يُقَاضِي إحدى شركاتها أو وزاراتها. وتكرر المشهد أيضًا في تنظيم الدعم السكني الصادر عام 1441هـ بأثر رجعي طال حقوقا مستقرة منذ العام 1432هـ. هيئة الخبراء هي صمام جودة التشريعات في الدولة؛ واقترح تحويلها إلى وزارة للتشريع والقانون؛ تتقيد بصرامة بالقواعد والمبادئ العامة للقانون، فلا أثر رجعي للقوانين ما لم تكن أكثر نفعاً لأصحاب المراكز القانونية المستقرة، وزارة تتبع نهج صياغة التشريع وفق المقاصد السامية للمشرع، وزارة تستقي واقع السوق التجاري والصناعي؛ وملابساته وحيثياته من القطاع الخاص السعودي مباشرة عبر ممثل مجلس الغرف السعودية، وعدم الاكتفاء ببيوت الخبرة الأجنبية أو الممارسات الدولية المجردة التي قد لا تنسجم مع واقع السوق السعودي أو لا تعكس حقيقته؛ لا سيما في ظل عدم وجود محكمة قانون أو ما يعرف بالمحكمة الدستورية التي تُعنى بمعالجة الأخطاء والتعارضات التي ربما تنتاب التشريعات.
صحيفة اليوم
أحدث التعليقات