القانون أبخص!
فيصل الخريجي
إن أجهزة مكافحة الفساد في بلادنا الغالية تبذل جهوداً كبيرة تنفيذاً لواجبها الوظيفي والوطني، النابع من السياسات والتوجيهات الإصلاحية لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حفظهما الله، وأتوقع لها بإذن الله تعالى نجاحاً كبيراً، ولا سيما في ظل الوعي الكبير للمجتمع السعودي.
لكن من خلال تتبعي كثيراً من مخالفات القانون والنظام في بعض الوزارات والهيئات والمؤسسات والمجالس والاتحادات، اتضح لي وجود آفة أشد خطراً من الفساد، وهي اعتبار قلّة أن القانون عقبة في طريق تحقيقه للمصلحة العامة، ونجاحه، فيقوم بخلق المبررات والتأويل تلو التأويل كي يخالف، والأمر الذي يحمل البعض على ذلك، أنه يريد الإصلاح، ومن منظوره يعرقل إصلاحاته، ويختلق المبررات التي يطلقها بعض أولئك المسؤولين أنه يريد تطبيق روح القانون وليس نصه، أو أن المصلحة العامة تقتضي المخالفة، فيعطي لنفسه الفتيا بجواز ارتكاب مخالفات تؤخر سير برامج خادم الحرمين الشريفين الإصلاحية، ليجد لنفسه مخرجاً شرعياً أو نظامياً لارتكاب المخالفة التي ينوي القيام بها.
إن خطورة هذا النوع من الفكر تكمن في أنه يسول للفاسد والصالح على حد سواء انتهاك القانون؛ أي انتهاك الشرعية الممثلة في رؤية ولي الأمر فيما يحقق الإصلاح، وكلاهما يعول في انتهاكه للقانون، مما يخلق مسؤولاً فاسداً حسن النية وآخر سيئ النية، ولكن النتيجة النهائية هي تفشي الفساد، من خلال تبني هذا المفهوم باسم المصلحة العامة، الأمر الذي يعطل جهد الدولة الإصلاحي، ويقوض أسس الرفاهية والاطمئنان والعدالة.
إن مفهوما كهذا قد نسلم به في مجتمع عشائري في عرض الصحراء أو العرف القبلي، أما في دولة حديثة وعصرية تعتبر رائدة في المنطقة، فإن المصلحة العامة تنحصر في تطبيق القانون فقط، كما أن السلطة التقديرية للمسؤول في تحديد ما يحقق المصلحة العامة محصورة قانوناً في إطار محدد وضوابط معلومة لا يجوز للمسؤول الخروج عنها.
أخيراً، لكل من تولى مسؤولية في بلادنا الغالية نريد مصلحة عامة نابعة من القانون فقط، فهو رؤية وتنظيم يسوس البلاد شرعاً بهدف إصلاحها؛ لأن القانون (أبخص).
جريدة الرياض
أحدث التعليقات