التعدي على السيادة إعلان حرب

فيصل الخريجي

منذ أن شيد نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام قواعد البيت العتيق بمكة المكرمة، وملايين المؤمنين يحجون إليه، ومنذ ذلك التاريخ يقوم الحاكم السياسي للمدينة المقدسة بتنظيم وإدارة شؤون الحج ابتداء من نبي الله إسماعيل عليه السلام ثم قبيلة قريش التي حكمت مكة المكرمة من بعده، واستمر تقليد إدارة وخدمة الحجيج بيد من يحكم المدينة المقدسة سياسياً، وبعد فتح مكة المكرمة تولى محمداً رسول الله إدارة وتنظيم الحج، وتلاه خلفاؤه الراشدون، ثم بني أمية والعباسيين والمماليك والعثمانيين ثم السعوديين؛ فاستقر العرف الديني والإقليمي للمدينة وترسخ في وجدان الأمة الإسلامية والمنطقة أن تنظيم وإدارة حج المسلمين للبيت العتيق بيد من يحكم المدينة المقدسة سياسياً، وهذا النهج يعتبر عُرفاً مستقراً ضارباً في التاريخ موغلاً في القدم من عهد نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وحتى الآن. فإدارة الأماكن المقدسة عرف إقليمي نشأ مع نشأة البيت العتيق، قبل نشأة القانون الدولي العام الذي يؤكد بدوره على ضرورة المحافظة على الأعراف والتقاليد الإقليمية والدولية، حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين واستقرار العلاقات، إذ أشارت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات للعام 1969م في ديباجتها إلى أن العرف يبقى الأساس المُنظم للقانون الدولي العام في حال عدم وجود اتفاقيات مكتوبة. إذاً فالقانون الدولي العام قائم في مجمله على الأعراف والتقاليد الدولية والإقليمية، التي تؤكد على وجوب احترام الأعراف المستقرة وسيادة الدول على أقاليمها، حتى يسود السلام والاستقرار في العالم؛ ولا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يسوّغ لدولة أو دول التدخل في شؤون الدول الأخرى أو التأثير على سيادتها واستقلالها من خلال تشويه فكرة التدويل نبيلة الأساس لأهداف عدوانية واستعمارية.

وغني عن البيان، أن الدعوة لتدويل الحرمين الشريفين لم يتم إثارتها، إلا مع ثورة الخميني في إيران عام 1979م، والتي ينص دستورها على وجوب تصدير ثورة الخميني وإرغام العالم الإسلامي للخضوع لأيدولوجيتها المتطرفة، وقد لحقها آخرون مثل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، وهي دعوات سياسية بحتة ذات أغراض صراعية مع السعودية، منها ما هو طارئ، أي ينشأ وينتهي بنشأة الخلاف وانتهائه، ومنها ما هو أيدلوجي ذا صلة بسياسات توسعية.

عليه؛ يجب على المجتمع الدولي ورجال القانون والسياسة إدانة عملية التشوية التي تتعرض لها مفاهيم ومبادئ القانون الدولي المستقرة، لما يسببه ذلك من ضعضعة للنظام الدولي، وحتى لا تتحول فكرة التدويل ذات الأهداف النبيلة التعاونية إلى أهداف عدائية استعمارية تهدد أمن وسلامة واستقلال وسيادة الدول والمجتمع الدولي.

وبناء على التأصيل الشرعي والقانوني والتاريخي المتقدم فيحق للمملكة العربية السعودية اعتبار دعوات تدويل أراضيها إعلان حرب يهدد أمنها وسلامة أراضيها ومواطنيها، ويحق لها الرد عليها بكافة الوسائل والسبل التي يكفلها القانون الدولي.

جريدة الرياض

http://www.alriyadh.com/1699644

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *